أحبتي
أنقل لكم هذا المقالة بعد أن نالت أعجابي وتصفيقي
قال:
لماذا الخطيب يتحدث عن الموت أكثر من حديثه عن الحياة؟ لماذا يريد أن
يعلمنا كيف نموت في سبيل الله ولا يعلمنا كيف نحيا في سبيل الله؟ كيف نزرع
الحب في بساتين الحياة في سبيل الله؟ كيف نقدم السلام في أطباق الانسانية
للعالم في سبيل الله؟
لماذا غالبية كتبنا تتحدث عن الشهادة أكثر
من حديثها عن الحياة؟ لماذا الخطباء دائما مفرداتهم: كيف تموت، كيف تناضل،
كيف تهاجم، كيف تبقي عزيزا، كيف تقاتل، ولا نسمع كما هو خطباء اليابان
لشبابهم الياباني: كيف تحيا؟ كيف تصنع، كيف تبتكر، كيف تخترع، كيف تعيش،
كيف تسعد بدلا من كيف تحزن؟اننا بحاجة الي تعقيم العقل العربي من هكذا
خطابات.
اننا بحاجة الي مجنزرات نقد لتفتيت الحجارة المؤدلجة
والمتكدسة علي مفاصل الوعي العربي والإسلامي، التي منعت من تدفق دم الحياة
ومنعته من الجريان من أوردة الفكر والعقل. أتذكر عندما كنت أدرس في قم في
ايران، أوقفني رجل دين قائلا لي: كيف تأكل طعاما في مطعم؟ هذا ينافي
المروءة.
وذات يوم خرجت للشارع واضعا النظارة الشمسية علي محياي
فاعترض علي آخر بحجة المروءة ذاتها. هذه المروءة هي التي ايضا منعت حكومة
الطالبان الرجال في أفغانستان من مزاولة مهنة الخياطة خوفا من شيوع الفتنة
بالنساء .
إنهم يبيعوننا أوهاما معلبة في علب عسلية، مرصعة ببعض أقراص المخدرات، للحفاظ علي الشخير العام.
نحن مخطوفون لسجن الايديولوجيا المناوئة حتي للاسلام لأجل صالح هذا الحزب
او ذاك. تربيتنا حزبية. لاتسلم علي هذا، لأنه فاسق. لا تكلم أخاك لأنه
عميل. لا تذهب للحفل ذاك لأنه ليس من حزبنا وهكذا.
إن كل خطيب
عربي يمشي ويجر خلفه ثلاجته الخاصة، التي يثلج فيها عقول اتباعه. إن
عقولنا في العالم العربي أصبحت مثل دجاج السادية معلبة في ثلاجة هذا الشيخ
او ذاك المثقف او هذا الحزب.
إن أرادوا أن يطبخوها في حفلات
الباربكيو السياسية مشوية أو مقلية فلهم ذلك، والمعترض علي ذلك نعجة عرجاء
مصيرها الي المسلخ الايديولوجي.
يجب أن يفهم الشباب العربي أنه
من فصيلة الانسان وليس الدواجن. وحدها الدواجن ترقد كل عام 12 شهرا في
بيوضها ثم تكتشف أن بيضها فارغ.
اليوم لا تقديس لأحد غير العقل،
غير العلم والمعرفة. إن إضفاء الصفات الخرافية علي أي شخصية منتفخة بالوهم
والنرجسية، تقودنا الي حيث المحارق والموت والهزيمة والضياع.
في
فرنسا تخرج كتب تنتقد أخطاء ديجول كي لا يكرروها رغم حبهم له ونحن مازلنا
نخشي نقد بعض أداء عبدالناصر خوفا من تهمة العمالة التي توجه في وجه أي
ناقد عربي أخرج عقله من ثلاجة التمذهب أو الأحزاب.
50
عاما والخطاب هو الخطاب. كما يقول نزار قباني:
كلفنا ارتجالنا خمسين ألف خيمة جديدة. أبطال مصنوعون من مادة الحلم
والخرافة والأمنيات. أنظروا الي شبابنا الذين يصطفون زرافات زرافات علي
أبواب السفارات هربا من روائح البارود وبرك الدماء المبعثرة علي خارطة
وجغرافية الحزن العربي الكبير حيث لا وردة تنبت ولا شمس تشرق ولا بطن
يحبل.إن القرن العشرين كان قرن الصراخ العربي، وقرن الانتاج الغربي.
الغرب يتحدث عن ما بعد الحداثة ونحن مازلنا نناقش فتوي رضاعة الكبير او عودة الشيخ الي صباه .
عقل الانسان ليس زجاجة مقفلة، وإذا أقفل وجب فتحه ليري الحياة بصورة أخري.
يقول الخليفةعمر بن الخطاب: متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احرارا.
الحياة ليست بهذه السوداوية التي تصور للشباب. الحياة ليست كلها مؤامرات.
في كل الأمم والشعوب والأديان يوجد فيها إنسانيون يبحثون عن الحب، ويقدسون
الانسانية والجمال، وعلي كل أرض يوجد حديقة تقابلها مقبرة.
يقول
علي رضي الله عنه: ولتكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق. في عالمنا
العربي تضيعنا الديكتاتورية الدينية والديكتاتورية العلمانية.
إننا نعاني من سيكوباتية دينية. نظهر حبنا للدنيا وفي ذات الوقت نريد الانتقام منها.
بل هناك انفصام. مبهورون بالحضارة، لكننا نخفي هذا الشعور خوفا من الحجارة
المؤدلجة التي قد يلقيها علينا شيخ القرية أو شرطة العقيدة في الحي. إننا
نخشي من أن نصلب علي أعواد مشانق التفسيق من المجتمع لو أننا اعترفنا
بهزيمتنا الحضارية أمام الحضارة الانسانية التي نشهدها.
يجب أن نعترف بذلك والاعتراف بالهزيمة هي أول خطوة تسبق النصر المستقبلي.
كي لا نصاب بالذبحة الحضارية علينا أن نعترف بأخطائنا ولنبدأ بزراعة الورد بدلا من زراعة السكاكين.
* نقلاعن صحيفة "الراية" القطرية